نكمل ما بدأناه من قصة نجاح العم عبدالعزيز الغنام.
محلنا و تنقلاتنا
لقد بقوا في نفس المحل الذي اشتروه من العراقي حتى عام 1968م تقريباً حيث انهدمت المباني وتم بناء البلدية الحالية، فانتقلوا بعد ذلك إلى خلف معهد المعلمين، وبعدها إلى دكان سعد المنيفي بالصالحية، ويذكر أن جاره كان سكَن الحاج محمد حيدر الحيدر، رحمة الله عليهم جميعاً.
والطريف في الأمر أن مرة من المرات كانوا يعملون في المحل حتى 10 أو 11 مساءً، وبحكم عملهم في القطع، كانوا يعملون على طرقها وكان ذلك يصدر أصواتاً بالتأكيد، فخرج لهم مرة الحاج محمد ووبخهم رحمة الله عليه، لأنَّهم لم يجعلوه ينام من الأصوات! فاستسمحوه لأنَّهم أخطأوا وقبلوا رأسه واعتذروا و لم يكرروا ذلك بعدها أبداً.
بعد ذلك انتقلوا لمحلات الشيخ صباح الناصر رحمه الله مقابل الأمن العام وتوسعوا وقتها فقد كان المحل كبيراً، عبارة عن دورين وخمس فتحات، وكان ذلك لأحد شركاتهم وهي شركة عبدالعزيز أحمد الغنام وإخوانه. بالإضافة إلى محلات أخرى في نفس الشارع لشركاتهم الأخرى، الشركة الكويتية لاستيراد قطع غيار السيارات ومعهم شريك هندي بها، وكان لهم شركة ثالثة أيضاً وهي الشركة الأهلية لقطع غيار السيارات مقرها المنطقة الصناعية بالشرق ومعهم شريك أردني.
وفي عام 1974م انتقلوا إلى الشويخ، في أول شارع كنددراي على اليمين، و كانت هذه هي النقلة الكبيرة، وقد اشتروا القسيمة ومساحتها 3750 متر مربع بـ 46,000 دينار كويتي من خضير المشعان والذي قد اشتراها من بنك الكويت الوطني وكذلك قسائم أخرى داخل الشويخ لشركاتهم الاخرى، ومن ثم بدأوا بفتح فروعاً وتوسعوا في الشويخ وشرق وغيرها.
شهامة رجال الكويت
وبالتأكيد، لم ينتقلوا إلى محل الشويخ إلا بعد أن كبروا ونموا تجارتهم، لأنا بدأوا بإمكانيات قليلة، لكنهم أصروا وركزوا على أن يرفعوا من مستوى تجارتهم، وحرصوا على أن نصل لمستوى أكبر وتنمو، فالنمو يصبح تدريجياً بكل تأكيد.
قبل أن ينتقلوا إلى منطقة الشويخ احتاج العم عبدالعزيز إلى مبلغ من المال فذهب لأحد أصدقاء أبيه وهو عبداللطيف علي الشايع وطلب منه 10,000 روبية. لم يسأله لماذا، ولم يكتب أو يطلب أي ورقة تثبت أنه أخذ منه، فثقته به، وأنَّ هذا الرجل أعطاه وبهذه الطريقة، رفعت ثقة العم عبدالعزيز بنفسه أمتاراً. وقد أرجع الدين له بعد سنة تقريباً، وكان يتمنى أن يطلب منه شيئا ويقدمه له، و الحمد لله طلب منه وأدى العم عبدالعزيز له ما يريد. وأخذ كذلك من صديق آخر لأبيه رحمه الله، وأرجع له المبلغ بعد ما يقارب الستة أشهر. وكانوا كذلك يشتروا بضائع مثل السكر والشاي من شؤون القصر والدفع يكون بعد سنة، ويبيعوها نقداً ليعملوا بها. وبعد ذلك بدأت البنوك تقرض، لكنه لم ينسَ ما قدمه له الشايع وصديق أبيه الآخر كما قال.
الغزو العراقي
يقول العم عبدالعزيز أنه قرر أن لا يحفظ أي مشكلة تواجهه لأن المشاكل عديدة في مجال الأعمال، فكان يأخذ الدرس من المشكلة وينساها، لكنه يقول أن أصعب مشكلة أو تحدي واجهه هو “الغزو العراقي” فقد كانت فترة صعبة جدا جدا. وقد كان معروقا جدا بشهامته وبكرمه من أجل الكويت في تلك المحنة. وإليكم التفاصيل، يقول العم عبدالعزيز:
أثناء الاحتلال صباح الخميس 2/8/1990م كان أهلي و إخواني خارج الكويت باستثنائي أنا و والدتي و كنت سأغادر بعد خمسة أيام للالتحاق بأهلي في أوروبا مع ابن شقيقي وليد، و اتصل بي شقيقي محمد من المملكة العربية السعودية و كانت الاتصالات لم تنقطع بعد معرباً عن رغبته في العودة إلى الكويت و رفضت و طلبت منه البقاء هناك ليستقبل العائلة التي كانت في أوروبا و التي انضمت إليه مع بعض الأقارب و الأصدقاء و أن يرسل لي دنانير عراقية و أرسلها مع أولادنا لأن الدخول و الخروج في الأسبوع الأول كان سهلاً ، و بقي عندي وليد ابن أخي محمد ، و بالطبع كما يعرف الجميع العراقيون كانوا يعرفون الكويت أكثر مما نعرف نحن و لديهم أعوان في الجيش و الشرطة و في كل مكان قد يخطر في بال أحد ، و في اليوم الأول لغزوهم للكويت أسقطت لهم 35 طائرة عراقية بنيران كويتية منها 30 هيلكوبتر كانت متجهة إلى قصر دسمان.
و بعد سيطرتهم على جميع الأراضي دخل البلد في فوضى و سرقات و تكسير محلات و نهب و اعتقال المواطنين و غيرها. بالنسبة إلينا شركاتنا كانت مغلقة ، و بعد فترة قصيرة طالبوا الكويتيين بفتح محلاتهم و من يرفض منهم سوف يتم تكسير محله.
تحركنا بعد كسر أول مخزن لنا و سرقة بضائعه و ذهبت إلى المحل و سألت عن السبب و قالوا لي أنني غير متعاون ، و قلت لهم أنه لا يوجد عندي عمال ، و بعدها ذهبت إلى وزارة التجارة المحتلة من قبل العراقيين و بعض الموظفين المتعاونين معهم، لأخذ الإذن بفتح المحلات فسألوني هل هي شراكة أم لأفراد ؟ أجبتهم أنني صاحب شركة ، فقالو أين الشركاء ؟ فقلت لهم خارج الكويت فطلبوا مني إحضار حصتهم من البضائع لحين عودتهم إلى الكويت لحفظها لهم ( انظروا إلى طريقة السرقة ) ، قلت لهم : شركائي هم إخواني و عندي وكالة بهذا الشأن فأظهرتها لهم فرفضوها ، قالوا : إنها من العهد البائد لا تصلح. و أحضرت وكالة جديدة مصدقة من السفارة العراقية في الأردن فرفضوها ، و كنت أعرف أحد الضباط العراقيين و عرضت عليه 100,000 دينار عن كل شركة من الشركات الثمانية إذا جلب لي أذونات بفتحها دون مسائلة ، ثم ذهب إلى بغداد و عاد و معه كتاب موجه مني إلى وزير التجارة العراقي و أنَّ سيدي صدام أطلب فيه الإذن بفتح المحلات في بلدي العراق و وقعته و أعطيته له و أعطاني الموافقة ، و بدوري أعطيته 800,000 دينار ، هذا الضابط استغلني منذ ذلك اليوم و حتى التحرير بما يعادل أربع ملايين و خمسين ألف دينار عراقي تحت حجج و ذرائع مختلفة.
طبعاً أثناء الاحتلال كانت حكومة الكويت تدخل مبالغ من المال عن طريق السعودية للمقاومة و المواطنين الصامدين في البلاد من أجل تسير أمورهم و توفير احتياجاتهم و كانت طريقة الصرف على الكويتيين تتم من خلال وضع مبلغ من المال في ظرف و طرق الباب و رمي الظرف بعد سماع الصوت حتى لا يعرف من قبل من ، و عندما عرف العراقيون بذلك حاولوا منعه فما كان من المقاومة إلاَّ أن استعانت بالتجار الكويتيين على أساس أن يبيعوا بضائعهم و يدفعوا للمقاومة.
في ذلك الوقت صلى بجانبي في مسجد فاطمة بالضاحية سامي عيسى عبد الرحمن العيسى و همس في أذني ، قال : يسلم عليك خالد بودي و يريد أن يجتمع معك ، قلت : في أي مكان ، قال : في أحد مقار المقاومة ، قلت له : أفضل أن يكون الاجتماع في مكان آخر للأمان ، و جرى الاجتماع في منزل المحامي خالد الزميع بالضاحية ، و قال لي خالد بودي : يسلم عليك الشيخ سعد و يطلب أن تكلمه ، قلت له : في أي مكان ، قال : من عندنا ، قلت له : ماذا يريد مني الشيخ سعد ، قال : دعم المقاومة مادياً ، قلت له : سلم عليه و قل له يعتمد و يعذرني عن المكالمة بسبب الخطر.
و منذ ذلك اليوم أخذنا نبيع للعراقيين بالأسعار التي يفرضونها علينا و ندفع القيمة إلى المقاومة للشيخ : علي سالم العلي الصباح و خالد بودي حتى التحرير ، و المقاومة قامت بدور يشهد له الحلفاء و الحكومة و المواطنون ، و عدد رجال المقاومة ليس بقليل و تعرضوا لمخاطر جسيمة من أجل تراب هذا البلد.
و في إحدى المرات استدعاني رجال الاستخبارات العراقية و طلبوا مني أن أقدم لهم كشوفاً عن محتويات المخازن و أمروني بعدم التصرف بها و بيع أي شيء من محتوياتها ، و بالفعل عملوا جرد بها و وضعوا الأسعار كما يريدون ، و أخذوا جزءً من المحتويات و أعطوني دنانير عراقية تبلغ عدة ملايين و كلها جديدة و كأنها مطبوعة منذ فترة قصيرة ، فما كان مني إلاَّ أن عدت و اشتريت البضاعة نفسها من بعض الضباط الذين أخذوا الأموال لأنفسهم.
لا أريد أن أذكر المبلغ الذي دفعته للمقاومة و كنت أسلم الأموال للشيخ علي سالم العلي و خالد بودي و غيرهما ، و لم يكن توصيل الأموال لهما سهلاً بسبب المراقبة و الحذر و آنذاك كانا يخيرانني بأني سأستلم المبلغ بعد التحرير أو تحويل المبلغ الذي دفعته إلى أي مكان أريده عن طريق وزير المالية آنذاك الشيخ علي الخليفة العذبي و كان موجوداً في لندن ، و كان يتم الاتصال به من قبل رجال المقاومة لإبلاغه بالأمر ، لكنني كنت أرفض هذا الأمر و أقول لهم : ليست الأموال أغلى من الكويت إذا تم التحرير إن شاء الله تعود لي الفلوس ، و إذا كان العكس فهي فداء للكويت.
في إحدى المرات قمت ببيع بضاعة لوزارة التصنيع العسكري العراقي بمبلغ 13 مليون دينار و قمت بدفع المبلغ كاملاً للمقاومة ، و لكن بعد مرور 3 أيام اتصل العراقيون بي و قالوا أنهم سيزورونني فتوقعت أن يسألوني عن المال ، فاتصلت بالمقاومة و أعادوا المبلغ و تكرر هذا الأمر عدة مرات إلى أن أبلغني رجال المقاومة أنهم بحاجة للمال و أخذوا المبلغ لكن في اليوم التالي قصدني أربع من الاستخبارات العراقية و قالوا لي أنني استلمت 13 مليون دينار و لم ادخلها البنك ، و نريد أن نتأكد إذا كانت الفلوس موجود أم أعطيتها للمقاومة ، فقلت لهم أنها موجودة ، قالوا نريد أن نراها ، فقلت لهم : ليست هنا لأني وزعتها على عدة أماكن خوفاً من أن يسرقها أحد ، و قالوا : متى نعود إليك ؟ قلت : بعد 3 أيام ، فما كان مني إلاَّ أن اتصلت بالمقاومة فأبلغوني أنه لم يتبقى لديهم إلاَّ مليون دينار ، و قصدت الشايع فقال لي : أن لديه 200.000 و كذلك النصف أبلغني أن لديه 300.000 و العصيمي كذلك ، و نحن كان لدينا مبلغ من الدنانير و الدولارات احتفظنا بها منذ الفترة التي كان فيها نظام صدام يهدد الكويت قبل الغزو و كنا نخبئ هذه الأموال في الكراج ، فقمنا أنا و ابن شقيقي في إحدى الليالي بالحفر و أخرجناهما و اشترينا بها دنانير عراقية و جمعناها مع المبالغ الأخرى و وضعناها في السرداب خلف أكياس الأرز و الشاي ، و عندما عاد رجال الاستخبارات العراقية و سألوني عن النقود فأخبرتهم بمكانها و رافقوني ، فتولى اثنان رفع صناديق النقود و الاثنان الآخران رافقاني إلى الصالة فدعوتهما إلى تناول الشاي درءً لشرهم ، فقام أحدهما و أعطاني نسخة من رسالة موجهة من علي حسن المجيد الذي كان آنذاك الحاكم العسكري للكويت موجهة إلى المواطنين يطلب الدعم ، و من لا يدعمهم يعتبر متخاذلاً ، يعني تهديداً مبطناً ، فما كان منهما إلاَّ أن أعطياني إيصالاً مكتوباً عليه تبرع ، و قال لي أحدهم : يبغلك الرفيق علي حسن المجيد تحياته و يتعهد لك بشرفه أنه سيعيد إليك المبلغ قريباً حيث سيقرر رفع الحصار قريباً عن العراق و يرتفع سعر برميل البترول إلى 50 دولار ، أما أنا فكنت خائفاً من أن يقتلوني بعد أن يأخذوا النقود فحمدت الله أنهم لم يفعلوا ذلك.
كما رأيت عزيزي القارئ كيف كانت فترة الغزة عصيبة وصعبة وخطرة، لكن لشهامة العم عبدالعزيز وحبه للكويت لم يتأفف أو يرفض أو نحوه وكان بإمكانه عمل ذلك. لقد جعلت فقرة الغزو بلسانه حتى تصل الفكرة والمشاعر بشكل أقوى.
نختم الان ونتحدث في التدوينة القادمة والاخيرة عن أبناء الغنام وتجارتهم، ديوان العنام، وبعض الدروس المستفادة من العم عبدالعزيز الغنام.
ماشاء الله رائع التوسع ..وكيف كانوا الناس زمان عندهم ثقة ببعض شيء جميل
فترة الغزو مؤلمة وتبين معدن اهل الكويت الله يحفظهم
ننتظر التدوينة الجايه اختي مي بفارغ الصبر والتحسر انه اخر تدوينة عن هذي الشخصية
السلام عليكم
أُختي مي
انا أقرأ المدونة عن طريق جوجل ريدر ويظهر انك قمت بإضافة المقالات للمدونة دفعة واحدة.
هذه المقالة فيها حديث ذو شجون بذكر البغي العراقي ضد إخوننا في الكويت، لكن في نفس الوقت فيها العديد من الدروس المستفادة في الحياة، حيث يظهر إن الإعلام الجديد (مدونات وغيره) سيجعلنا نُغير النظرة بالإعلام القديم الذي كان يعتمد على التلفزيون الذي يتحرك بأوامر الحكومات،
جميل جداً تعاون وتكاتف أهل الكويت وتعاونهم ضد الغزو العراقي، والأجمل وقوف طبقة التجار ورجال الأعمال في المقاومة الشعبية.
مروان – اليمن