أنت كافي

ENOUGH

كيف تربح الشركات؟ لا تستطيع أن تربح وتستمر إلا عندما تشتري منتجاتهم.

كيف تشتريها؟ قد تشتريها إذا احتجتها، وإن لم تحتاجها، هل ستنتظر تلك الشركات، حتى يأتي العميل وقت حاجته فقط ليشتري؟

قطعا لا. لأن ذلك سيعني أنهم سينتظرون طويلا.

ماذا فعلوا؟ درسوك. درسو عقلك. مشاعرك وعواطفك. وعرفوا كيف يخلقوا في عقلك “حاجة لشراء منتجهم” مما يعني أنك ستشتري الكثير والكثير وأنت لا تحتاجه، لكن هذا لا يهمهم، فما يهم هو أرباحهم.

هذا يعني أنهم سيجعلوك تشعر أن السعادة هي فقط في هذا المنتج.

أن السعادة فقط وفقط في امتلاك الأشياء، والكثير منها.

أنك ستحصل على الحب والودّ من الأشياء، وخاصة الأشياء الجديدة.

أنك ستملك وتغزو قلوب الآخرين لأنك ستبدو “كشخه” وستبدو “جديدا” و على الموضة، وتملك آخر ما في السوق.

أن قيمتك الذاتية، وكفاءتك، تقاس بم تملك. سيارتك، ملابسك، هاتفك النقال، نظارتك، الطيران الذي تسافر به، الدرجة التي تسافر عليها، المطاعم التي تأكل بها، ومعجون الأسنان الذي تفرش به أسنانك!

الإعلام قاتل، الاعلام هو حرب على الذات، وعلى قيمتها. يظن الكثير أنهم لا يتأثرون بالدعايات وبالاعلانات وأنها مجرد إعلانات وأنهم لا يرونها ولا يهتمون. هذا غير صحيح ولا تستطيع نفي تأثير الإعلانات عليك. هل تعلم أن عقلك الباطن يهتم ب92% من الرسائل الموجودة في أي إعلان، بينما عقلك الواعي يهتم ب8% فقط من الرسالة؟

لو لم تستطع الإعلانات جعلك تشعر أنك تريد هذا الذي تراه في الإعلان، لما ربحت، ولما استطاعت الاستمرار. مستحيل.

الاعلانات جعلتنا شعوب استهلاكية من الدرجة الأولى، مما جعل الكثير والكثير والكثير من الناس ينسون الانسانية والروحانية، ويهتمون بشكل كبير وخطير بالماديات. وهذا هو سبب انتشار الاكتئاب والاحباط والملل في المجتمع.

هذه الاعلانات، خطورتها تكمن في أنها توصل لك رسالة، بالإضافة للنقاط التي ذكرتها أعلاه، أنك ناقص.

أنك غير كامل.

أنك بدون هذا (المنتج المعلن عنه) لن تكتمل قيمتك أو فرحتك.

ستكون متأخر عن الناس وعن المجتمع، وكل الناس سيمتلكون هذا المنتج، إلا أنت. ستبقى وحدك.

وإن لم تحصل عليه، قاتل حتى تحصل، اتعب، اتعب، واتعب وابحث في كل مكان في بلدك أو من خارجه، حتى تحصل عليه. لأنك لو فزت به، ستشعر بالكمال وبالسعادة، وستكتسب كل الحبّ الذي تطمح إليه.

هذا كلام فارغ ولا يحصل على أرض الواقع، أبدا، لكنه هو السلاح الوحيد الذي تستعمله الاعلانات لكي تشتري منها، فتربح، وتستمر، وتشتري منها، وتربح، وتستمر، وهكذا.

كلنا نعلم، ومتيقنين، أن الأشياء لا تجلب السعادة. لكننا قد ننسى أو لا نعلم، أن الأشياء كذلك لا تعطينا قيمة، لا تعطي ذواتنا حبا وتقبلا ومكانة وتقديرا. نحن أصلا نستحق التقدير لأننا بشر وهذا كاف، نحن لسنا ناقصين، لا نحتاج لأشياء تكملنا. نحن كافيين بأنفسنا.
ومن الجانب الآخر، لو أردنا مثلا أن نطور في مهاراتنا أو قدراتنا فهذا أمر رائع ومذهل،  لكن هذا لا يعني أننا غير كاملين وبنا علّة أو مرض أو نقص أو لا نستحق الحب فقط لأن لدينا بعض المهارات تحتاج لتطوير.

قيمتنا الذاتية لا تقاس بما نلبس، ولو كان الاعلام يرينا ذلك. إن أكبر دليل في هذه الأيام أننا نؤمن ونصدق هذا الأمر، هو تصرفنا، أو تصرف الكثير من الناس في برنامج الصور والفيديو، انستقرام، أي شي يُرى عند أحد، يشعر الناظر أو المشاهد أنه يرغب في امتلاكه، ويتمناه، وقلبه يتحرك، ومشاعره ترغب بشدة فيما يرى، لأن انستقرام أداة إعلامية، ووجود الصورة وشكل المنتج أو “الشيء” يجعلك تشعر أنك ستسعد لو حصلت عليه، وأنك إن لم تحصل عليه، ستظل ناقصا.

قيمتك موجودة. لو أردت أن تقسيها بمواد فأنت تؤمن أن لا قيمة لك إلا بأشياء. وهذا أقسى ما تفعل لنفسك، لقلبك، لروحك.

ما هو الحل؟

استعن بالله يعنك. يكن معك ويجعلك ترى حقائق الأمور، وهذا ما سيجعلك تفرح بحق.

الوعي هو نص الحل. الوعي يعني أن تعيي وتعلم وتعرف أنك كافي. أنت كافي لا تحتاج لأشياء تكمل قيمتك الشخصية. أنت كإنسان لك مكانة، وأول وأشرف المكانات أن الله شرفك وكرّمك.

أن الأشياء وكثرة امتلاكها وشرائها تسبب زحمة في ذهنك، ومع الوقت يعتاد عقلك على الشراء والامتلاك، تحتاج أو لا تحتاج، جيد أو غير جيد، المهم أن تشتري، وكما اعتاد عقلك على ذلك، بإمكانك أن تعوّده على عكس ذلك، وهو التوقف عن الشراء. عن شراء ما لا تحتاج وعن الشراء لمجرد الشراء وكأننا في سباق مادي.

التوقف عن كثرة متابعة بعض الحسابات الدعائية أو التي تعرض كل جديد في السوق، لأنها ستجعلك، دون أن تشعر، تنغمس في عالم الأشياء وتنسى الأمور المهمة، وتنسى العلاقات الانسانية، وعمقها الدافئ، وتنسى الحب والودّ على أصوله، وتتجه نحو عالم المشاعر المزيف، والبحث عن الرضى اللحظي والذي يتلاشى سريعا.

اتفق مع نفسك، أن تسأل نفسك كلما جال في خاطرك أن “تشتري وتقتني” شيئا، هل حقا أحتاجه؟ لا تدع الجانب المكار من العقل يتحدث، والذي يجعلك تسمع الاجابة التي تود أن تسمعها ويعمي عنك الحقيقة، وهذا الصوت الذي يحاول أن يقنعك كل يوم عندما تسمع المنبه كيف أنك متعب وتستحق الراحة ويجب أن تكمل نومك

😉

اتفق مع نفسك، أن تراقب نفسك وتستمر لفترة، حتى تعتاد، وحتى “تصحى” من تخدير شراء ما لا تحتاج. ستشعر بشعور مذهلللللللللللللل، كأنك قمت بتنظيف أو كنس بيتك (عقلك وقلبك) وتخلصت من كل الأشياء الزائدة التي تسبب لك ازدحام قلبي وعقلي. اقرأ هنا موضوع كتبته قبل فترة قد يفيدك؛ سبب الفوضى العقلية.

تذكر، قيمتك ليست في الأشياء. قيمتك موجودة، وأنت كافي، ولا تسمح لكائن من كان أن يجعلك تشعر خلاف ذلك. الله كرمك.

من يخبرنا عن طريقة أو فكرة معينة جعلته يتعامل مع نفسه التي ترغب في امتلاك كل ما تراه؟

 

11 فكرة عن “أنت كافي”

  1. بالصدفه – مع القليل من وقت الفراغ – وصلت لهنا ، أيا كان الشخص خلف هذه المدونه .. شكرا من القلب ..
    تحتاج أحيانا أن تسمع من غيرك ما يجب ان تقول لنفسك ..
    أعتقد أنني سأبقى هنا لبعض الوقت ..

    شكرا مرة أخرى ..

  2. لست من قراء المدونات ولاكن جذبتني مدونتك وأثرت فيني كلماتك وشجعتني بأن اعمل مدونه خاصه بي

  3. اعترف اني قد انجرفت وشكرا لدعاء الدريس على ايصالي لهذا المقال
    قد تودي بنا بعض الاحباطات والنقص في حوائج اساسيه ملحه ومؤجلة الى التوجه للإستهلاكيه ظنّا منا انها ستشعرنا بالراحة الى حين ولكنها ليست الا ابر مخدره ذات مفعول مؤقت كل ما انتهى المفعول شعرنا بألم اكبر من ذي قبل ويتصاعد حتى نصبح من قوة الالم لانعلم ماهي الحاجة الاساسية التي فقدناها فقد فقدنا الكثير في محاولتنا لتغطية ماكنا نأمل بتغطيه وها نحن الان علينا العودة الى البداية لتنضيف الفوضى واعادة المياه الى مجاريها وتسديد الفواتير

  4. زينب هشام الخطيب

    مقالة راااائعه و كلام اتمنى حولي الكثيير يطبقونه مع حسابات السنابات و المشاهير و افضل منتج و احدث منتج و اللهث وراء شراء الاشياء و التقنيات الجديدة ،، للعلم من فترة بعيدة و انا ماحب اشتري كثير مدري عندي قناعه اني ماشتري الا اللي احتاجه ،، ناااادرا اسمح لنفسي اشتري اشياء اشتهيها ،، هما في فررررق كبير بين اللي نحتاجه و اللي نشتهيه يعني بين الحاجة و الهوى ،، طبعا الهوى مراح نقدر نوقفه لانه طماااع ،،لكن الحاجة معقولة و مشبعه لو لبينها ،، يعني الاغلب حاليا متجه للشراء لتلبيه هواه لا لحاجته ،، نقطة اخيرة احب اقولها فعلا ااااا احس عقلي و قلبي قبل بيتي نظييييف لما اتخلص من الاشياء
    كأنها كانت فوق راسي ?

    و سلامتكم
    سلمت يداك على هالمقالة الجميلة

  5. سلمت أناملك… جميل أن يعرف الشخص أين يضع ماله و يسأل نفسه قبل أن ينفقه هل ما أنفق فيه مالي يعود علي بالنفع حقّاً .. هل سينقصني شيء او سأعيش بشكل سيء ان لم اشتريه عندها يقرر ان يشتري ام لا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *