كلنا نعلم، أن الصوم في رمضان فريضة علينا جميعا مثل الصلاة والزكاة والحج. وما إن يأتي رمضان بكل تأكيد سنصوم ونمتنع عن الطعام والشراب من أذان الفجر حتى أذان المغرب. نصلي التراويح في المسجد وفي العشر الأواخر القيام (كما تسميان لكن كلاهما صلاة قيام ليل) ونتحرى الليالي الفردية من أجل الليلة العظيمة، ليلة القدر. صحيح أن بعض الناس نسأل الله السلامة لا يصومون في رمضان هداهم الله، لكن نحن بفضل الله نفعل.
في هذا الزمن صرنا نفعل كل شيء بشكل أوتوماتيكي، مثل العادات. لا نفكر ولا تتنفس قلوبنا ونحن نصلي، نصوم، أو نفعل أي عبادة واجبة علينا. طيب ما المشكلة هنا؟ كلنا مشغولون؟!! المشكلة هنا، أننا لا نحقق لأنفسنا فائدة ونتيجة تلك العبادات. فلا نحن أرحنا قلوبنا وأرواحنا، ولا ملأنا صحائفنا بحسنات ورضى ربنا.
في هذا الزمن، تجد الاكتئاب والأحزان في كل مكان حولنا. كل مكان تجد حزينا وشخصا يشتكي من خيانة آخر له. أو سرقة. أو ظلم. أو انفصال. أو غيره مما نواجه نحن في حياتنا لكننا نحرم أنفسنا أن نشفي قلوبنا من تلك الآلام أو الجراح.
ما هو السبب؟ السبب هو عدم استشعارنا خلال صيامنا وصلاتنا وسائر العبادات من زكاة وحج، والأهم الايمان في قلوبنا.
لقد ضيعنا ما يكفي من رمضانات. لنجعل رمضان هذا مختلفا، حقا، عن غير من الأعوام. لنجعل رمضان هذا خاص لنا، لقلوبنا، لأرواحنا، فقد حرمنا أنفسنا الكثير والكثير، وكفى، كفى مزيدا من الحرمان.
أولا، يجب أن تعلم (وأعلم ونعلم كلنا) أننا لكي نحقق السلام الروحي الذي نسعى له خلال شهر رمضان، حيث تحبس الشياطين ونبقى نحن مع أنفسنا فقط، هو أن نستشعر أننا نصوم. أن نستشعر ونشعر ونبذل جهدا في هذا ونسعى له مستعينين بالله أننا نصوم لله. أننا نصوم لأن الله الذي خلقنا، ورزقنا، ولطف بنا، وأعطانا كل ما تشتهي أنفسنا، وأنعم علينا، وحتى وهو يختبرنا لطيف بنا ويحبنا ولا يفعل إلا الخير لنا، على الرغم من أننا نعصيه كل يوم، ونبتعد عن كلامه وعن تعليماته، ولا نسعى لرضاه فيما نفعل. لأنه هو أمرنا أن نصوم. هو لا يحتاج لصيامنا أبدا، نحن من نحتاجه، لكننا كذلك نصوم بقلب حاضر لله. نمتنع عما يغضب الله، لله. نمتنع عن الغيبة التي تلتهب وتنتهم صحائف أعمالنا، لله. نبتعد عن الأكل اللذيذ الذي تحبه نفوسنا، ليس فقط لأنه رمضان و”يجب” أن نصوم وكفى، بل لأن ربنا حبيبنا يريد ذلك. يريدنا أن نربي قلوبنا ونفوسنا على الصبر. على التقوى. على العمل لله فقط. أن نقرأ القرآن بتدبر، لله. أن نتصدق ونفطر الصائمين لله فقط. أن نفعل الخير بأنواعه وشتى وسائله وأبوابه، لله. فقط لله. لأن الله ربنا. حبيبنا. وعده الحق يعطينا ما تريد قلوبنا في الوقت المناسب وبأفضل طريقة تحقق الخير لنا. لأننا نذنب فيغفر الله لنا وهو لا يحتاج لنا ولا تؤثر عبادتنا أو معصيتنا في ملكه سبحانه.
لذلك، لنجعل رمضان هذا العام مختلفا بحضور قلوبنا أثناء صومنا. بسعينا نحو كل خير يطرق باب أذهاننا بنية صادقة لله. لنصوم ليرض الله عنا. ليعتقنا من النار نحن وآبائنا ومن علمونا ومن نحبهم، وكذلك من أخطئنا في حقهم أو أخطأوا في حقنا. لنكن سباقين للخير كما لم نفعل الخير من قبل. لنكثر من الذكر بقلب يتفكر ليس بلسان يتحرك فقط. لنقرأ القرآن بتدبر كل آية فيه كما أنها لنا نحن، ولنقرأ تفسير ما يصعب علينا. لنكثر من الصلاة على رسولنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم. لندعو الله، لندعوه، للآخرة وللجنة ليس فقط لأحوالنا وأحلامنا في الدنيا، فنحن غالبا ننشغل بالدنيا وننسى أن هناك دار آخرة لو لم يرض الله عنا ويدخلنا جناته العليا لن نتمتع ولن يفيدنا ما أسعدنا في الدنيا فقط. ولا ندري قد يكون رمضان هذا آخر رمضان لنا.
تذكر، أن ابتسامتك، مساعدتك لأخيك، كلمتك الطيبة، إفساحك الطريق، إماطتك الأذى، إلقاءك السلام، تفطيرك للصائم (حتى من أهل بيتك، استعد قبلهم وأعطهم التمر بيدك لتحصل على أجر تفطيرهم) وكل ذرة خير فرصة لك للحصول على الأجر في صحيفتك، وتحقيق السلام في نفسك، والراحة في قلبك، والحياة في روحك. احرص على نفسك يا صديقي، فهذا شهر كنز عظيم للدنيا وللآخرة، فلا تضعه بمسلسلات تعاد في كل شهر وتباع بعد رمضان مباشرة، أو بتجمعات لا تنتهي تحوّل رمضان لزيارات تشغلك عن العبادة وعن الذكر وعن إعطاء نفسك من وقتك وجهدك. يكفي إهمالا لك، فهذا الشهر فرصتك.
وأهم ما تتذكر وما أختم به، أننا لكي نعرف الله عز وجل، ونحبه، ونشعر بتلك المشاعر في قلوبنا له، ونستطيع حقا أن نصوم لله، ونستشعر حمدنا وشكرنا له، وعباداتنا وطاعاتنا أن تكون شكرا وتبجيلا وثناء له، يجب أن نعرفه. كيف نعرفه؟ بأسمائه الحسنى وصفاته، وبالتدبر في آياته. الأسماء الحسنى 99 اسما، لن يتسع الوقت لتعرفها كلها في اسبوع قبل رمضان، لكن بإمكانك أن تتعرف كل يوم على اسم أو كل يومين على اسم، تتفكر فيه، وتتعبد فيه، وتدعو الله فيه، وتتصف بالأخلاق في تعاملك مع الناس فيه، واجعل رمضان فرصتك لاستكمال ما ستبدأه اليوم من التعرف على الله. هنا، وفقط هنا، ستحصل على ما تبحث عنه، وتكتمل لديك معادلة إرتواء نفسك، وإنعاشها، وتخلصك من كل المشوشات العاطفية والشوائب الجارحة المتعلقة في قلبك، رمضان وصيام وقلب حاضر يفعل كل شيء لله، وحب لله عن طريق التعرف عليه بأسمائه والتدبر في آياته.
الله يحبك ولم تقرأ هذا المقال صدفة. لا يوجد صدف في الوجود. الله يحبك فهنيئا لك. الآن ابذل أنت وتقرب إليه. اجعل رمضان فرصة زيادة حبك لله العظيم سبحانه.
من يقترح علينا وسيلة أو طريقة تجعل رمضان هذا العام أكثر فاعلية من رمضاناتنا السابقة؟
ملاحظة: لأسماء الله الحسنى اقرأ مدونة فجر الكوس، وابحث عن صوتيات د. نوال العيد، وللقرآن بإمكانك أن تقرأ للشعراوي لخواطر التدبر أو السعدي للتفسير.
هنالك عدة طرق بامكاننا أن نستخدمها في رمضان القادم إن شاء الله
1- ختم القران.
2- تحديد يوم بالاسبوع ل عمل فطور جماعي ومنها نوصل صلة الرحم
3- وضع كرتون ماء بارد بالمسجد الحي قبل صلاة العشاء لان بعد صلاة العشاء تقام بعدها صلاة التراويح والناس تحتاج إلى ماء.
4- زيارة الحرم بمكة المكرمة (عمرة).
5- دعوة أحد الاقارب خصوصا كبار السن الجد أو الجدة إلى فطور.
6- عمل كمية إضافية من الفطور وترسل إلى احد الجيران في الحي.
7- فرصة لتعلم تجويد القران.
8- رمضان فرصة ل صلة الرحم كدعوة قريب او صديق او زميل إلى السحور.
9- الجمعيات الخيرية برمضان تستقبل الاطعمة أو الملابس أو الاجهزة للتبرع إلى الفقراء.
10- عمل فطور جماعي بتعاون مع عدة من الاصدقاء او الزملاء بالمسجد الحي للعمال و الفقراء.
وأخيرا رمضان نقطة بداية لك فأستعد وثابر إلى الله سبحانة وتعالى
صوموا تصحوا
جزاك الله خير
وأسأل الله أن يبلغنا رمضان ويبارك لنا فيه وإياك
ويوجد كتاب اسمه ( مع الله) للـ د. سلمان العودة
رائع وجميل جداً …
جزيت خيراً أخي الحبيب
وبارك الله لك فيما قدمت
مشاء الله .. الله يزيدك من علمه و فضله و رزقه موضوع رائع
مقال اكثر من رائع.
اتمنى لك التوفيق.
شكراً جزيلاً
جزاك الله خيرا .. سأشارك بتجربتي الشخصية :
منذ 4 سنوات كانت خطتي في رمضان هي التخلص من العصبية و الحصول على صديق من المسجد و قد كان بفضل الله .
السنة التي جاءت بعدها كنت مريضا طوال رمضان .. الحمد لله على كل حال .. لكني استفدت في فترة المرض بالقراءة .. قرأت عددا لا بأس به من الكتب .
السنة الثالثة كانت خطتي التركيز على الروحانيات .. و أن أعتكف العشر الأواخر كاملة .. و الحمد لله قد كان .
خطتي هذا العام أن أركز على الأخلاق و المعاملات الحسنة .. قراءة القرآن بتدبر .
Pingback: ب | معهد الحرم النبوي
وحدها التقوى تعطيك القدرة على الصمود