والدي رحمه الله، كنت مرة أسمع له حفظه من القرآن الكريم وتوقف، فأخبرته أو حاولت تذكيره، فقال لي؛ لا تستعجلين. ومع بساطة وبديهية الكلمة، الي أنني أتذكره في حال استعجالي وأبتسم.
العجلة لها مساوئ في الأعم الأغلب إلا في التوبة والعمل الصالح الذي ينير حياتك الآن وفي الجنة بإذن الله.
ولها عدة نواحي وعدة زوايا. وحديثنا اليوم عن الاستعجال في الحكم.
لا تستعجل بالحكم يا صديق. أقولها من تجارب شخصية وكلنا جربنا، وأقولها كقاعدة حياتية مفعمة بالسلام.
لا تستعجل في الحكم والتفسير. اصبر وتصبّر وتريث. استعجالنا في الأحكام يصرف من حياتنا وراحتنا.
وسّع دائرة الاحتمالات. وكما قال عليه السلام “سبعون عذرًا”. كبّر احتمالات أسباب تصرف الآخرين بشكل لا يعجبك أو حتى يؤذيك. تريث ولا تحكم دون أن تسمع ودون أن تسأل ودون أن تفهم. حتى وإن ضاق صدرك تصبرّ ولا تدخل رأسك في الغيبيات فورًا.
سلّم عليك أحدهم بطريقة غريبة على غير عادته؛ قد يكون مهمومًا أو متعبًا ولم يشعر بنفسه.
أرسلت رسالة وتلقاها صاحبها وقرأها ولم يرد عليها (معضلة هذا الزمن التكنولوجي)؛ قد يكون قد نسي وغفل، لم يعرف كيف يرد، لم يرغب في الرد الآن، مشغول، لديه ظرف يمنعه، وهلم جرًا.
عملت لأحد معروف ولم يشكرك؛ قد يكون لاهيًا ولم ينتبه لذلك.
سلمت على أحد ولم يرد السلام؛ قد يكون لم يسمعك.
كم مرة؟ كم مرة استعجلنا بالحكم وتبينت لنا الحقيقة بعدها وخجلنا بيننا وبين أنفسنا. بل وأحيانًا شعرنا بذلك الشعور الكريه أننا ظلمنا هذا أو ذاك.
قد لا تتبين لك الحقيقة أبدًا. قد لا تتفسر وتتضح لك مئات الأمور، لكن أن تعوّد نفسك أن تفكر بطريقة الاحتمالات يخفف عليك وعلى قلبك الكثير. ويجعل صدرك صافيًا تجاه من حولك عمومًا. خاصة عندما يكثر التدقيق في كل موقف يحصل.
حصل لي موقفين مع شخصين. الشخص الأول، زميلة وظيفة، أرى أنها بدأت تسحب نفسها وهذا الأمر جعلني أستغرب لكن أحبطت. خاصة أن هذا الشخص ممن أسعد بلقياهم، لكني فكرت أني لا أعلم الكثير عنها، وعن ظروفها الشخصية فلمَ أعتقد أن هناك شرًا ناحيتي أو سوءًا؟ وقد تكون ببساطة رغبتها في الابتعاد. ولن يبعد الله شيئًا خيرًا لي. هذا التفكير، بعد أن تقبلت شعوري بالاحباط أو القليل من الضيق، جعلني أهدأ وأسكن وأثق بخيرية الأمور.
الموقف الثاني مع شخص أقرب لقلبي، صديقة، أعلم أنها في ضغط شديد فحاولت أن أغسل قلبها لكن لم تعطني فرصة حتى الآن. أعلم أنها تغوص في أشغالها، لكن مع هذا شعرت بالضيق خاصة أني أنتظرها منذ اسبوعين، ومتحمسة بحجم السماء لردة فعلها عندما ترى مفاجأتي لها. لكني فكرت، وقلت صحيح أن هذا أحزنني ولا مشكلة بشعوري هذا، لكن لأنتظر ولا أستعجل فأنا لا أعرف ماهية ظروفها الآن التي منعتها إلى عدم الرد الى هذا الحد. وهذا ما أحاول أن أصبر قلبي به وإن لم يعجبني. ولعله خير.
لا تستعجل. الاستعجال يقتل الكثير يكفي أنه يسرق راحة بالك. ومزيج مع التريث والتروي يأتي حسن الظن وتوسيع دائرة الاحتمالات فيما ترى من تصرف من حولك.
عش بسلام يا صديق.
3/30
#30يوم_تدوين